آس نــائم

المقاله تحت باب  قصة قصيرة
في 
21/10/2007 06:00 AM
GMT



لم تكن حديقتنا كبيرة، لعلها اكتفت أن تحوي قبر خالي الذي قُتل ذات مطر ،لانه تحدث سهواً في المقهى عن حق الانسان في وطنه.

 

شجرة الرمان تركت عشقها للبلابل ، وقررت اللجوء الى الصمت كعلمائنا الافاضل، لذا أحب وقاحة نافذتي التي تحاور كل حصاة حولها دون كلل...وكالعادة تجلس امي غير عابئة بفقدان بصرها ،تتحدث ليعقوب الراحل في عز شبابه عنا:-

 

: خير ما فعلته خالتي عالية ،حين تركوا جثتك امام الدار بانها رفضت النواح وسحبتك الى غرفتها وأبقتك في سريرها يومان الى أن إزرق جلدك، لم نجد مكانا اخر نواريك فيه ، لا تتذمر من ملح حديقتنا لانه ارحم طعما من بلادة الحمقى، يبدو إنك لن تأتي في العيد ،هل تعرف أحمد لا زال يأكل خلسة تيناً جففناه للشتاء، فكل شتاء في بلدي حرب، وكل صيف في بلدي حرب.

 

وككل غروب ، سيجرها ابي عنوة الى الداخل ، لكنها ترفض أن تصلي فريضتها إلا قرب الخال المغدور ، قد يفتح الله باباً للرحمة علينا اكراماً له، عذر ابي بأن تترك الموتى بسلام ،وعذرنا أن الصلاة قرب القبور حرام وأعذار أُخر كي لا يكون وجعنا موجود.

 

تراه ماذا يحيك ابي غير سحابة دخان ووجه غائم ، سيزرع آساً كي يمنعها لبعض شهور عن ازعاج الراحل ، نافذتي ترفض علناً كل مؤامرة صغرى او كبرى ، فكلما حاول ابي ترتيب الاس ارتطم راسه بالنافذة ودوت العصافير كانها تسخر منه ، سالتني أمي عن الحركة الغريبة في الحديقة فقلت لها بأننا راينا يعقوب في الحلم يشكو العطش فلا بد من شجرة دائم الخضرة الى يمينه تقيه ظمأ ما بعد الرحيل، ولكنه عناد اقدم من تفاحة ادم يجعلها تنشد بجنوبيتها الساحرة تراتيل استجــــــداء عودته .

 

كنا نصحو لنجدها قد لملمت كتبه ورصفتها بعناية قرب رأسه ، و تكوم التمر وقمصان بيضاء متوسلة بـــه :

 

:- " لا تترك فطورك فتشحب يا قرة عيني، وكل هذه الكتب ستؤذي عينك، فلا بد لك ان تعرف بأن ابي وجدي عاشوا بسعادة ، وربما هذا هو الوطن، تزوج نورة، فهي من اصل طيب وسمي اولادك على ترتيب الانبياء... كلا لم اجد زر القميص الابيض، إرتدي هذا لحين حصولي على دراهم اخرى ...

 

هددها ابي ببيع الدار ، فأقسمت بانها ستلم كل ذرة تراب ولن تبقي من يعقوب للموت شيئا ، وشجرة الاس تنمو بسعادة لعل مناجاة امي وقصائد يعقوب من العالم الاخر تعجبها ، وما ان وجد الحب طريقه الى قلبي حتى بدأت اسمع كل عبارة يخاطبني بها الخال من خلف الشجرة ، توقدت حواسي باستلام القوافي واقسم لامي ان الشجرة تغني قبل الغروب بتسابيح رحمانية

 

حتى علمت كل اشجار الحي بقصة حبي ، كما علمت كل جدران البيوت الحزينة التي ترك لها الظلم شهيدا وفقيد ما يرسله يعقوب من برزخه الينا .

 

نساء الحي لا يقمن حفلات الختان إلا بآسك يا يعقوب‘ وما لفتاة في ليلة حنتها قبل العرس إلا بالاس النابع من اضلاعك، وكل عيد يذهبن نساء الحي الى المقبرة لزيارة احبتهن فياخذن منك جذوعا طوال.

 

ماتت امي حسرة عليه، وانا في ليلة حنتي اشعلت تسعة شموع ووعدته ان يحمل رحمي دماءه الخضراء ، فأذا بشجرة الاس تحضنني وتبكي.